الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

زراعة السمك في بحيرة القدية ...تجربة رائدة رغم بساطتها


لم يعد العثور على أسماك حية ذات زعانف في بحيرة القدية (الكلته) مسألة مثيرة للانتباه ، كما لم يعد لمياه الكلتة هدوؤها الذي لا يعكره إلا ورود قطعان من الإبل العطاش بل أصبحت الكلتة تشهد حركة ونشاطا دائبا بفعل تكاثر السمك في مياهها العذبة منذ العام الماضي فلا تكاد عين المتابع لسطع مياه الكلتة تخلوا من مشهد سمكة تومئ برأسها متنسمة عبير هواء القدية الطلق وأخرى تغوص في أعماق بحيرتها العذبة المعطاة ...
ولم يعد ذهاب أبناء القدية إلى الكلتة محصورا في السباحة واختبار قدرة القفز من أعالي (تينشماط) بغية تسجيل هدف سباحي ربما يبقى أثره مرسوما على صخرة ما رغم تلاحق الأجيال  وإنما أصبح للنائشة هدف آخر هو ببساطة البحث عن هذه الكائنات الجديدة على الكلتة أو لنقل:  (الصيد شبه البحري )
فما قصة (حوت القدية )؟ ذلكم هو ما حاولت مدونة شباب القدية استكشاف خبره في تحقيق أعده مراسلها من القدية
حيث التقينا بصاحب فكرة زرع السمك في المياه العذبة بالقدية الأستاذ المانه ولد زيني ولد خ
وهو رجل في عقده الخامس من العمر بسيط ومتواضع وعميق أيضا ولديه أفكار تنموية ومشاريع إصلاحية هذا بعضها ولا يزال في جعبته المزيد ...
سألناه في البداية عن ملهمه في هذه التجربة وهل قاسها علي واقع كان قد رآه
فرد قائلا : نعم كنت فني زراعة بمنطقة فم لكليته بولاية كوركول وشاهدت بأم عيني عملية زرع الأسماك في المياه العذبة ، وكيف أن الدولة إذ ذاك تولت العملية برمتها فكانت السيارات تأتى محملة بالحيتان الصغيرة وتقذف بها في السد والدولة بأجهزتها وقوتها الأمنية تتولى حراسة هذه الثروة خوفا من ضياعها أو تبذيرها أو سرقتها قبل أن يكتمل نضجها وتكاثرها
كانت هذه هي البداية حيث ألهمتني فكرة عامة عن إمكانية زراعة السمك في المياه العذبة قبل أن أشتغل بأمور أخرى أبعدتني فعلا عن خوض غمار التجربة حيث سافرت خارج البلاد وأقمت فترة في المملكة العربية السعودية
وحين رجعت إلى : (لكوارب) عاصمة ولاية الترارزة وجدت أن الناس هناك يعيشون على أسماك النهر ويسمونها هناك (أوكس) فعادت إلي فكرة نقل هذه الفصيلة بالذات إلى القدية وشرعت في العمل ...
سألناه كيف تم نقل هذه الكائنات الحية أكثر من 800كلم وما هي الوسائل المستخدمة في ذلك
فأجاب ذهبت إلى النهر رفقة زميل لي هناك ولدي أربع حاويات مياه من فئة 20l حيث جعلت فيها شيئا من طين النهر ومائه ثم ملأتها بالسمك الصغير حيث أستطيع إدخاله بيدى من فتحة الحاوية
سألناه : لماذا الطين إذن ؟
فأجاب : لأن السمك يتغذى عليه بشكل كبير بالإضافة إلى الماء والأعشاب والكائنات الحية المتنوعة
سألناه : كم استغرقت هذه الرحلة ؟
فأجاب:  ثلاثة أيام كاملة وفي اليوم الرابع بعد أخذ السمك من النهر تم إطلاقه في بحيرة القدية
سألناه : ما هي مواصفات هذه السمك الذي جئت به وهل هو فصيلة واحدة ؟
فأجاب : غادرت مدينة لكوارب بفصيلتين تم اختيارهما بعناية وبناء على معايير من أهمها قابليتهما للتأقلم مع ظروف النقل بالإضافة طبعا إلى إمكانية العيش في هذه البيئة ، لكن إحدى الفصيلتين ماتت في الطريق وبقيت هذه التى تسمى (أوكس) كما أسلفت حيث أطلقت منها في (الكلته) 47 مابين ذكر وأنثى
أما أهم خصائها فلعل من أبرزها أن أنثاها تلد 95 بيضة في المرة الواحدة مع إمكانية إنجابها لهذا العدد ثلاث مرات في السنة الواحدة ، كما أنها تعيش على الماء والطين بحيث إذا نضبت المياه تغوص الأسماك في أعماق الطين وتبقى هناك تنتظر المياه إلى أن تعود ...
وسألنا ضيفنا : ماهو تقييمكم لهذه التجربة بعد أكثرمن عام على بدايتها؟
فأجاب : أنا فعلا أطلقت هذه الأسماك بالكلتة يوم 24 يناير 2011م  وفي موسم الخريف الموالي 2011 ذكر لي أنه السمك بدأ يلاحظ في الكلتة وتجلبه مياه السيول منها إلى المستنقعات والسدود مع طول واد (اكراع الناقة )  ولكنه تكاثر في هذه السنة بشكل ملحوظ وأصبح حديث الساعة في القدية والقرى القريبة منها
مع أنه اصطدم بعقبة ان الناس لا ترغب فيه كثيرا بحجة أنها لا تعرف السمك إلا في انواكشوط ولأنه يمتاز بالبرودة أيضا وعدم الحرارة نظرا لبئته العذبة
ولكن مع مرور الوقت وازدياد الوعي بأهمية اللحوم البيضاء في صحة المواطن وقدرة الناس على إعداد وجبات صحية منه سوف تتعزز الرغبة فيه ويكثر إقبال الناس عليه خصوصا إذا استطعنا توفير ما تتطلبه وجبة السمك من الخضروات في السوق المحلية ذلك لأن نقص الخضار عائق أيضا امام الإقبال عليه
وهنا أوجه نداء إلى الناس كافة بضرورة إرجاع مالا حاجة في أكله من هذا السمك إلى مأواه الكبير (الكلته) حتى نحافظ معا على بقائه ونساهم في إيجاد عنصر غذائي طالما افتقدناه في هذه البيئة .
ثم سألناه : إذا نضبت الأحواض وبقي السمك محصورا في قاع (الكلته) فما السبيل إلى استخراجه منها ؟
فأجاب : أعتقد أن ذلك يتطلب تكوينا على فنيات الصيد التقليدى وهي ميسورة كلها بدءا بالحديدة المعكوفة (الصنارة) وانتهاء بالشبكة وإذا وجدت من الشباب هنا من هو مستعد لذلك فأستطيع توفير متطلبات استخراج السمك له وتدريبه على ذلك
مدونة شباب القدية : في ختام هذه المقابلة الشيقة مع الأستاذ المانه ولد زيني نتوجه باسمكم جميعا له بالتحية على الوقت الذي خصصه لنا رغم انشغاله  وعلى هذه الإجابات الواضحة ونأمل أن يحذو الجميع حذوه في أفكاره البناءة ومشاريعه الإصلاحية الكبيرة رغم بساطة مظهرها .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


جميع الحقوق محفوظة لمدونة عالم الإحتراف ©2013-2014 | إتصل بنا | سياسة الخصوصية